الجمعة، 11 ديسمبر 2015

ساق البامبو مرآة تعكس المجتمع الكويتي.

ساق البامبو هي رواية سردية من نوعية (المهاجرين من الشرق إلى الغرب)، لكن في هذه الرواية الهجرة من الشرق إلى الشرق؛ شاب نصف فلبيني-كويتي ينتقل من فقر مجفل في الفلبين إلى جنة أبيه في الكويت. وخلال صفحات الكتاب ينتقل الراوي بنا بين العديد والعديد من الإنتكاسات المروعة التي تعكس بعمق المجتمع الكويتي وعلاقة دول الخليج بالعمال المهاجرين.

حازت الرواية على شهرة كبير بين الأوساط العربية، وفازت بجائزة البوكر العربية، على الرغم من سرعة تنقلها في الأحداث ولغتها النثرية الغير أدبية/شبابية البسيطة إلّا أن ذلك أتاح للعرب إعادة رؤية الكويت بعين مهاجر، يحمل مل كلا الاسمين (عيسى) و(خوسيه).

تدور أحداث الرواية في الكويت والفلبين، ولكنّها لم تخض في تفاصيل الفلبين كثيرًا. ما يهم أنها تكشف المعلن والمستور والمسكوت عنه في الكويت في نقد إجتماعي لـ(سعود سنعوسي) الروائي الشاب؛ حيث يناقش سياسة وحيثيات كون المرء نصف أرستقراطي خليجي، ونصف فليبي فقير بطريقة تعيد إلى الأذهان ويذكرنا بالروائي تشارلز ديكنز  ورواية (أوليفر تويست) عن شاب فقير بقلب طيب يبحث عن عائلته الحقيقة، لكن الجزء الأكثر إثارة للإهتمام أن في هذه الرواية تبدأ القصة بعد أن يصبح (خوسيه/عيسى) ثريًا، مما يجعله أكثر حزنًا وحسرة.

تبدأ ساق البامبو في الفلبين، قبل ولادة الراوي، بطريقة (قيل لي من أمي). وبالخوض في صفحات الكتاب تكشف لنا كلماته ومواقفه من رفضه للدعارة، والقمار والحشيش هويته المحافظة العربية. لكن مواقفه لم تكن بعظيمة ففي كل الوقت كان يلقي اللوم على الفقر.

بساطة الكلمات واللغة تعكس سذاجة الراوي عن الدين، والهوية، وكل شيء عن الكويت. وفي بعض الحالات يكون هذه جيدًا ومفيدًا خاصة للقراء الغربين فمثلاً عندما تقرأ كلمة ’’بدون‘‘ -أي بدون حقوق مواطنة- يتبعها الراي بتفسير. وفي بعض الأحيان تتعدى السذاجة كل الحدود، فعندما يرى (خوسيه/عيسى) الرشوة ويتعجّب من فساد الشرطة قائلًا: ’’إذا كان الشرطة تسرق، فماذا يفعل اللصوص؟‘‘، بالتأكيد صدمة إنتقال (عيسى/خوسيه) لأرض الأحلام حيث لا يجدها بالجنة التيتصورها، ويرى مجتمعًا طبقيًا يعج بالعتصرية، ويظهر ذلك بوضوح في طريقة الإستقبال المفجعة التي تلقاها الراوي من عائلته الكويتيّة. ومع ذلك، فإن تدني الوطنية الكويتية الذي في تحمله الرواية يمكن في بعض الأحيان أن يسبب نفورًا للقارئ. 

بعد سوء المعاملة التي تلقاها (عيسى/خوسيه)  من عائلته الكويتية والمتعصبين الآخرين الذي يدفعنا لتوقع أنّه سيأخذ انتقامه. لكنّه يحتفظ بسماحته طوال الوقت، حتى بعد طرده من بلده، يبدو من غير المعقول أن هذا الصبي المشرق عندما يلمّح قرب نهاية الرواية، أنّه "ربما" يشبه [الكويتيين] في نواح كثيرة".

ساق البامبو هي رواية مضادة للروايات التي تحكي عن "الهجرة لبلاد غنية والنجاح". في النهاية، (عيسى/خوسيه) يتحتم عليه أن يختار بين حياة صعبة بالقرب من عائلة ثرية في الكويت وأخرى أقل ثراء في الفلبين. على الرغم من وضعه لسعادته على المحك، من الصعب أن نريده أن يغادر الكويت، فقط ليكون شوكة في ظهر أقاربه.



أراكم المرة القادمة...

الجمعة، 23 يناير 2015

"يوتوبيا" أحمد خالد توفيق القاتمة.

العام هو عام 2023.بطل رواية لم يذكر لنا الكاتب اسمه، يستيقظ، يدّخن، يأكل، يتقيأ ليفرّغ معدته، ليأكل مرةً أخرى، ويُمارس الجنس مع خادمته الإفريقية، ويغرق في بحور الويسكي، وعندما يغلبه الملل يلون حائط منزله مع الراقصات، «في ساعة واحدة، فعلت كل شيء، ولم يتبقى شيئًا لأفعله، لم يعد هناك شيئًا يجذب اهتمامي في هذه الحياة.». أهلًا بكم في يوتوبيا المقاطعة ذات الأسوار المحميّة بقوات المارين الأمريكية على شاطئ الساحل الشمالي الخاص بالأثرياء التي بنيت بعد انهيار الاقتصاد في أوائل القرن الواحد والعشرون.

في رواية توفيق ذات الرؤية البديلة للمستقبل التي تقشعّر لها الأبدان، إسرائيل قامت ببناء قناة سويس خاصة بها، واصبحت عائدات السياحة أصبحت لا تكفي، وأصبحت احتياطات النفط في الشرق الأوسط عديمة الفائدة بعد اختراع الولايات المتحدة الأمريكية لوقود جديد. أما هؤلاء الذين نجحوا أن يبقوا على قيد الحياة خارج جدران يوتوبيا، كانوا غارقين في الفقر والجوع والبربرية، حيث لا أحد يقرأ الكتب، ودمّر الفقر  قواعد الأخلاق المعروفة، وأصبح الجوع والمرض والعنف هو القاعة.

يشّب شباب يوتوبيا بدون أي ذرة مشاعر تجاه الآخرين، وكثرة المال أضاعت كل التقاليد وأي احترام حتى للدين. لا يتم اعطاء الأولاد في يوتوبيا أي اسماء عربية، أو أي انتماء عربي أو تاريخي أيًا كان، حتى أن بعضهم يتساءل أحيانًا لماذا كانت إسرائيل في يوم من الأيام عدوًا؟! وكما يخبرنا بطل الرواية الشاب الذكي المتغطرس: «كانت هذه أرضي، وهذا كان بلدي الذي ولدت فيه، وإن كان والداي سرقا هذه الحقوق، لا يهمني فهي أصبحت بالنسبة لي حقًا مُكتسبًا، وأنا لن أتنازل عنها لهؤلاء المتسولين العاهرات.». تتبقى متعة واحدة تحقق لمن يفعلها متعةً وإشباعًا أبديًا وهي تكمن خلف الأسوار والأسلاك الشائكة لمدينة يوتوبيا.

الراوي وصديقته دو جور  يطيحون باثنين من العاملين بالسخرة في يوتوبيا، ويأخذون ملابسهم ويستقلون حافلة العمال في مغامرةٍ خارج أسوار يوتوبيا. مهمتهم: ايجاد شخصاً مناسبًا لقتله، ثم قطع أحد أطرافه وإعادته كغنيمة دليلًا على مغامرتهم ذات المتعة الأبدية. وإن وجدوا أنفسهم في ورطة، مكالمة واحدة لأحد والديهم ليرسل لهم طائرة هليكوبتر في غضون دقائق تحوم فوقهم، على استعداد لإعمال القتل في أيٍ من هؤلاء المتوحشين المخبولين  الذين يهددونهم وإخراجهم سالمين إلى منازلهم.

إلا أن الأمور لا تجري كما خططوا، ليجدوا أنفسهم عرضة للاغتصاب والتشويه والموت، ولا ينقذهم من خطرهم هذا سوى جابر، وصديقته التي تمكنت من الاحتفاظ بقيمها واحترامها لذاتها ولحياتها الآدمية السابقة قبل الانهيار المشؤوم، ولكن كل جميل وكل مساعدتهم هذه لا تلقى سوى القسوة في نهاية المطاف.

رواية الدكتور أحمد خالد توفيق هي  رواية قاتمة وشخصياته خالية من أي من نظريات الرحمة. بل وعلى الرغم من ذلك مقنعة تمامًا. وليس من المستغرب فالمؤلف  دكتور في الطب وهو "المؤلف الأكثر مبيعًا في العالم العربي في مجاليّ الرعب والخيال" وأكثر إقناعًا في تصوير النظرة المستقبلية المتشائمة أفضل حتى من رواية "البرتقالة الآلية"، يوتوبيا هي تحفة مصغرة. أتحدى أي شخص أن لا يقرئها في جلسة واحدة.

يوتوبيا بنسختها الإنكليزية، بتعليق من علاء الأسواني.


أراكم المرة القادمة...