الجمعة، 23 يناير 2015

"يوتوبيا" أحمد خالد توفيق القاتمة.

العام هو عام 2023.بطل رواية لم يذكر لنا الكاتب اسمه، يستيقظ، يدّخن، يأكل، يتقيأ ليفرّغ معدته، ليأكل مرةً أخرى، ويُمارس الجنس مع خادمته الإفريقية، ويغرق في بحور الويسكي، وعندما يغلبه الملل يلون حائط منزله مع الراقصات، «في ساعة واحدة، فعلت كل شيء، ولم يتبقى شيئًا لأفعله، لم يعد هناك شيئًا يجذب اهتمامي في هذه الحياة.». أهلًا بكم في يوتوبيا المقاطعة ذات الأسوار المحميّة بقوات المارين الأمريكية على شاطئ الساحل الشمالي الخاص بالأثرياء التي بنيت بعد انهيار الاقتصاد في أوائل القرن الواحد والعشرون.

في رواية توفيق ذات الرؤية البديلة للمستقبل التي تقشعّر لها الأبدان، إسرائيل قامت ببناء قناة سويس خاصة بها، واصبحت عائدات السياحة أصبحت لا تكفي، وأصبحت احتياطات النفط في الشرق الأوسط عديمة الفائدة بعد اختراع الولايات المتحدة الأمريكية لوقود جديد. أما هؤلاء الذين نجحوا أن يبقوا على قيد الحياة خارج جدران يوتوبيا، كانوا غارقين في الفقر والجوع والبربرية، حيث لا أحد يقرأ الكتب، ودمّر الفقر  قواعد الأخلاق المعروفة، وأصبح الجوع والمرض والعنف هو القاعة.

يشّب شباب يوتوبيا بدون أي ذرة مشاعر تجاه الآخرين، وكثرة المال أضاعت كل التقاليد وأي احترام حتى للدين. لا يتم اعطاء الأولاد في يوتوبيا أي اسماء عربية، أو أي انتماء عربي أو تاريخي أيًا كان، حتى أن بعضهم يتساءل أحيانًا لماذا كانت إسرائيل في يوم من الأيام عدوًا؟! وكما يخبرنا بطل الرواية الشاب الذكي المتغطرس: «كانت هذه أرضي، وهذا كان بلدي الذي ولدت فيه، وإن كان والداي سرقا هذه الحقوق، لا يهمني فهي أصبحت بالنسبة لي حقًا مُكتسبًا، وأنا لن أتنازل عنها لهؤلاء المتسولين العاهرات.». تتبقى متعة واحدة تحقق لمن يفعلها متعةً وإشباعًا أبديًا وهي تكمن خلف الأسوار والأسلاك الشائكة لمدينة يوتوبيا.

الراوي وصديقته دو جور  يطيحون باثنين من العاملين بالسخرة في يوتوبيا، ويأخذون ملابسهم ويستقلون حافلة العمال في مغامرةٍ خارج أسوار يوتوبيا. مهمتهم: ايجاد شخصاً مناسبًا لقتله، ثم قطع أحد أطرافه وإعادته كغنيمة دليلًا على مغامرتهم ذات المتعة الأبدية. وإن وجدوا أنفسهم في ورطة، مكالمة واحدة لأحد والديهم ليرسل لهم طائرة هليكوبتر في غضون دقائق تحوم فوقهم، على استعداد لإعمال القتل في أيٍ من هؤلاء المتوحشين المخبولين  الذين يهددونهم وإخراجهم سالمين إلى منازلهم.

إلا أن الأمور لا تجري كما خططوا، ليجدوا أنفسهم عرضة للاغتصاب والتشويه والموت، ولا ينقذهم من خطرهم هذا سوى جابر، وصديقته التي تمكنت من الاحتفاظ بقيمها واحترامها لذاتها ولحياتها الآدمية السابقة قبل الانهيار المشؤوم، ولكن كل جميل وكل مساعدتهم هذه لا تلقى سوى القسوة في نهاية المطاف.

رواية الدكتور أحمد خالد توفيق هي  رواية قاتمة وشخصياته خالية من أي من نظريات الرحمة. بل وعلى الرغم من ذلك مقنعة تمامًا. وليس من المستغرب فالمؤلف  دكتور في الطب وهو "المؤلف الأكثر مبيعًا في العالم العربي في مجاليّ الرعب والخيال" وأكثر إقناعًا في تصوير النظرة المستقبلية المتشائمة أفضل حتى من رواية "البرتقالة الآلية"، يوتوبيا هي تحفة مصغرة. أتحدى أي شخص أن لا يقرئها في جلسة واحدة.

يوتوبيا بنسختها الإنكليزية، بتعليق من علاء الأسواني.


أراكم المرة القادمة...