الثلاثاء، 16 فبراير 2016

حين ينسينا الجدل حقيقة أن عزازيل مجرد رواية.

دائمًا ما تعتمد الجوائز الأدبية على الجدل في اختياراتها، في عام 2009 تسبب الكاتب المصري يوسف زيدان في نوبة هلعٍ وجدلٍ في مصر عندما فازت رواية عزازيل بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر). عن رواية تتخذ من مذكرات من القرن الخامس لطبيبٍ راهبٍ يدعى هيبا، الذي يكتشف ممارسات عدوانية، وثنية، لأحد الأسقف؛ تلك التفاصيل أدت إلى ذلك الجدل الرهيب، وأزعجت بشدة أعضاء الكنيسة القبطية في الإسكندرية، وصلت إلى أن بعض الأسقف حرر دعوة قضائية ضد يوسف زيدان مُتّهِمة إيّاه بالإساءة للعقيدة المسيحية وأنه يحاول هدم الدين المسيحي.

»والكلمة قد تفعل في الإنسان مالا تفعله الأدوية القوية، فهي حياة خالدة لا تفنى بموت قائلها«- هيبا، عزازيل.
على الرغم من كل تلك المتاعب التي تسبّبت بها الرواية، هي بسبب تلك الإيماءات البحثيّة للمعارك الضروسة داخل الكنيسة الوليدة، وعلى الرغم مما تدعيه الكنيسة يبدو من أسلوب زيدان في الرواية والذي يدعو الى الانسجام والتفاهم في الفكر الديني. حيث أنّه يؤكد مرارًا وتكرارًا سخافة -وخطورة- الخلافات بين الطوائف الدينية.

كل تلك الوقائع والجدل يجعلك تنسى حقيقة أن عزازيل مجرد رواية لحسن الحظ، لإنسان في عالمه الخاص في غمرة الشك والإغراء، في رحلة يبحث فيها عن ذاته. ومع ذلك، تبدأ قصة هيبا المؤلمة ببطء ليبحر نهر النيل إلى الإسكندرية حيث يكتسب قوة تدفعه للأمام. هناك، يلتقي أوكتافيا ويستسلم للملذات المحرمة، حتى يشهد جريمة اغتيال عالمة الرياضيات هيباتيا من قبل أتباع سيريل بتهمة الوثنية.

يترك هيبا الإسكندرية، حزينًا، ويقضي ما تبقى من رواية يدور في أنحاء الأرض المقدسة، في حيرة من الحياة، والدين، والطب، والشيطان عزازيل، والنساء. أحيانًا أثناء قراءة الرواية يسودك ذلك الشعور الانجراف وعدم اليقين في القص تعكسه يقال لنا في أكثر من مناسبة واحدة أن أيامه كانت عبارة عن ملل. أو ليست تلك حياة الراهب؟! ربما.

ولكن في نهاية المطاف، سذاجة هيبا تتحول لقوة قوة: فهو غريب، يحولّه زيدان إلا بطل راوي، نموذج يستكشف به زيدان ذلك الوقت. الكتابة، أيضا، لها لمسة حسيّة صادقة، ومطابقة بدقة لشخصية الراهب في قلب الرواية. الجائزة، أو الجدل التي تلته الرواية، قد يكون السبب في أنّه باع أكثر من مليون نسخة في مصر. ولكن تلك الصورة الدائمة لهيبا، ذلك الرجل الذي يبحث باستمرارٍ عن معنى الحياة، هي التي ستعلق دومًا بذاكرتك.

»العالم الحقيقي إنما هو في داخلي،وليس في الوقائع التي تثور وتهدأ، وتنتهي لتبدأ أو يبدأ غيرها. «-هيبا، عزازيل.



أراكم المرة القادمة...