الأحد، 27 يوليو 2014

النوايا الحسنة، لا تصنع بالضرورة الأدب الجيد!

جلال الدين الرومي
قواعد العشق الأربعون هي رواية محبطة بشكل رهيب، لأن كل شيء فيها رائع باستثناء العمل نفسه. صاحبته، إليف شافاق، هي مصدر إلهام: بالإضافة إلى كونها  الروائية صاحبة أكثر  الكتب مبيعاً في تركيا، هي أيضاً بطلة كونية، من أنصار الـ"فيمينزم: أنصار المرأة" المتقدمين، وهي من الروائيين الطموحين الذي يضيفون الأفكار الهامة في الخيال الواقعي. روايتها "نذل إسطنبول"، والتي ظهرت في عام 2006، وناقشت فيها موضوعاً يعد من المحرمات في تركيا وهو "الإبادة الجماعية للأرمن"؛ ونتيجة لذلك وُجهّت إليها تهمة "إهانة الهوية التركية"، وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن. أظهرت جرأتها في الرواية السريالية "النظرة"، عام 2000، التي بحثت في الآلام التي ولدّتها العادات القديمة، بتفاصيلها القاسية، وتمكنت على ما يبدو من المستحيل حيث حوّلت النظرية النسوية الأكاديمية إلى رواية خيالية. الآن، تقدم لنا رواية حول ربة منزل يهوديّة أمريكيّة التي تجد الحب مع صوفي بوهمي. حقيقة أن الرواية أصبحت من أكثر الكتب مبيعاً في تركيا يعد بادرة أمل في أن التعاطف التي أنشئه الخيال يمكن أن يغلب الأحقاد القومية والدينية.

مثل العديد من روايات شافاق، قواعد العشق الأربعون عبارة  عن قصص متشابكة الفصول تدور في قرون من الزمان. أسلوب السرد الذي ترويه شخصية الرواية إيلا روبنشتاين، الأم من مقاطعة ماساتشوستس، ثلاثة والأربعين عاماً، تزوجت لسوء الحظ  -في واحدة من كليشيهات الكتاب العديدة- إلى طبيب الأسنان. لتعيش حياة الطبقة المتوسطة المملة، تجد وظيفة بدوام جزئي في قراءة المخطوطات لحساب وكالة أدبية، حيث يتم إعطائها رواية بعنوان "الكفر الجميل"، عن جلال الدين الرومي، الشاعر الصوفي.  تفتنها الرواية الرومانسية "الرسائليّة: مكتوبة على هيئة رسائل" لكاتبها الرحّال، الذي اعتنق الصوفية اسمه أ.ز.زهرة. وتتغير حياتها إلى الأبد بطرق يمكن التنبؤ بها بسهولة.
قصة إيلا تتناوب في فصول من رواية زهرة، والتي هي بدورها قصة الحب الروحي بين جلال الدين الرومي وشمس تبريز، الدراويش المتجول الذين يقال أنّه هو الذي أدخل الرومي إلى التصوف. شافاق درست الصوفية  لفترة طويلة، ويبدو أن روايتها الجديدة، في جزء منها محاولة لتخيل الماضي الإسلامي مع القيم المعاصرة: مشروع يستحق العناء. الصوفية تلك الطريقة التي تهتم  بصلة الفرد  بالله بعيداً عن الالتزام الصارم لقوانين الشريعة، التصوف هو العقيدة السمحة.

 «الصوفين الهندين الأوائل أعلنوا أن المسلمين والمسيحيين واليهود والزرادشتيين والهندوس كلها طرق تسعى نحو نفس الهدف لكن المظاهر المختلفة التي تُبيقي بينهما هي ما يسبب الفهم الخاطئ الموجود!» 
ويندي دونيجر لاحظت ذلك في دراستها للتاريخ الحديث للهندوسية.

شمس تبريز، الذي يرى أن الانقسامات الطائفية، والقواعد الدينية المتشددة، غير ملائمة لجلال الله، وأن إيمانه وإخلاصه لا يشتركان في شيء مع الإسلامية المعاصرة. حتى انه يرسل جلال الدين الرومي إلى الحانة، لإثبات أن الالتزام الصارم لأحكام الشريعة هو نوع آخر من عبادة الأصنام. «القواعد والمحظورات الدينية مهمة»، جلال الدين الرومي الذي تعلم الدرس يقول لشمس «لكن لا ينبغي أن تتحول إلى المحرمات إلى أشياء لا تقبل النقاش.»

هذا هي نسخة  الإسلام التي قد تحبها يهوديّة علمانيّة مثل إيلا روبنشتاين. لكن من المشاكل العديدة للرواية أن شمس يبدو شخصية حديثة، وهذا مثير للريبة، وكأنه معلم القرآن  على طراز معلمي اليوغا. ربما تحاول شافاق تقديم التصوف الصحيح، أنا لست في وضع يمكنني فيه  الحكم، لكن تصويريها للشرق الأوسط في العصور الوسطى التي عفا عليها الزمن، وكأن الشيء الوحيد الذي يفصلها عن مجتمعنا المعاصر هو عدم وجود السيارات والهواتف وبإغفال الأحاسيس العميقة للقيم الدينية. فالكتاب الذي ينقلب على روح شخصياته يحتاج على الأقل بعض التقدير وليس كل هذا الإجلال.

تبدأ المشاكل مع إيلا، التي لا تعود أبداً للحياة مرة أخرى. فالكتاب الأمريكيين يتخيلون أنفسهم باستمرار في ثقافات أخرى، ولكنهم لا يتخيلون الأجانب أبداُ في ثقافتهم. إذاً فشخصية إيلا هي ببساطة شخصية غير قابل للتصديق؛ ولكنها  مثيرة للاهتمام. هي في الغالب شخصية عادية، امرأة أمريكية ميسورة الحال ويتملكها الملل، تحاول تحرير وقهر مللها بالصدام مع التصوف الشرقي.

هذا الكتاب هو أكبر دليل على أن السياسة الأخلاقية والنوايا الحسنة لا تصنع بالضرورة الأدب الجيد.



أراكم المرة القادمة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق